بحث حول المماليك : من الخدمة في الجندية إلى تأسيس إحدى أقوى الدول التي حكمت الشرق

هل تعرف أنه ليس من المعتاد دائمًا أن نجد أقوى الحضارات في كتب التاريخ ذات أصول عريقة او نسب معروف، فأحيانًا كثيرة ما تزخر حكايات التاريخ بأحداث أمم مجهولة، لكنها صنعت تاريخًا منفردًا بذاته، وفيما يلي سنذكر واحدة من تلك الحكايات، وهي عن المماليك الذين حكموا مصر قرابة القرنين والنصف، ومازالت آثارهم شاهدة على التاريخ الذي صنعوه بأنفسهم.

أصول المماليك

ترجع أصول المماليك إلى العصور العباسية حين كان الخلفاء يجلبون العبيد من قبائل التركمان والمغول ويستخدمونهم حرسًا لهم وجنودًا يحاربون في جيوشهم، وهذه كانت البداية لزيادة نفوذهم فقد تحولو من عبيدًا ومماليك إلى أصحاب كلمة يأمرون وينهون ويقودون الجيوش، ولهم كلمة مسموعة ببيت الخلفاء يثيرون بها الفتن لتحقيق أهدافهم، مما عجل بإنهيار الخلافة العباسية ومن بعدها الفاطمية، كما حذت الدولة الأيوبية حذوهم واستعانوا بهم ليعينوهم على أمر إدارة شئون البلاد.

أما أصول هؤلاء المماليك فترجع إلى القبائل الضعيفة بوسط آسيا (الأتراك) والقوقاز (الشراكسة)، والتي كانت تزدري أولادها ولا ترى غضاضة في بيعهم للنخاسين مقابل أثمانٍ باهظة بالنسبة لهم وقليلة بالنسبة للمشتري. ومعنى كلمة مماليك في اللغة العربية هو العبيد.

نشأة المماليك

كان المملوك ينشأ نشأةً حربية منذ صغره، وكان يتبدل حاله حين يشتريه السلطان فيصبح أميرًا على عشرة أو خمسين أو مائة من العساكر، وقد يصلون إلى الألف، حتى أخذ عدد المماليك يتزايد، وأصبحوا ينالوا من الحرية والثراء ما يميزهم عن غيرهم، كما كان يزداد إقبال السلاطين على شرائهم حتى يحكى أن أحدًا من السلاطين اشترى منهم نحو ستة آلاف مملوك، وبينما كان أصحاب البلاد يحيون حياةً عادية كان المماليك يحيون بالقرب من الأمراء والسلاطين وبداخل قصورهم، يتعلمون فنون الحرب وتعاملات الملوك، حتى قيل إن مملوك اليوم هو قائد غدًا وليس بعيدًا ان يكون هو الأمير والسلطان على مر الأيام.

أخلاق المماليك

  • كان المماليك  يعرفون بالفوضى والعبثية والوقاحة، وإن هذا نتيجة طبيعية لتركهم أهلهم في سن صغيرة وانتقالهم عبر البلاد من سلطان لآخر، كما ان انقسامهم إلى أحزاب وشيع وانتماء كل منهم إلى سلطان أو أمير مختلف كان يشعل بينهم انواع من الحقد والغضب والحروب الداخلية، خاصة بعد ازدياد أعدادهم وقوتهم فكانوا يثورون أحيانًا على السلطان؛ بيد أن السلاطين الأقوياء كانوا ينجحون في كبح جماحهم والسيطرة عليهم حتى تعود السكينة إلى البلاد وتنطفئ ثورتهم.
  • ورغم ذلك فإنهم كانوا شديدي الإخلاص في أداء ما يطلبه منهم الأمراء، كما كانوا بارعين بفنون القتال، مما دعى الأمراء والسلاطين لاستخدامهم في فرض السيطرة على البلاد، حتى انقلبت الآية عليهم وأخضعوا السلاطين لهم، واستطاعوا حكم مصر لمدة قرنين ونصف من الزمان وهما القرن الرابع عشر والخامس عشر.
  • أصبح المماليك فيما بعد يذهبون لمدارس الحرب ومعاهد السلم ويتناولون قسطًا كبيرًا من التعليم، فكان منهم من ينبغ رغم صغر سنه في الفلسفة والعلوم والفقه والفروسية مما جعلهم جديرين بالمناصب العليا بالدولة.
  • من الجميل في عادات المماليك أنهم حين تقلدوا الحكم لم يهتموا بتوريث السلطان الحكم لأبنائه، بل كانوا ينصبون عليهم من هو محبوبًا بينهم، ولا نجد من بينهم سوى الناصر إذ حكم أبنائه من بعده.

بالرغم من ظهور عنصر الخيانة كثيرًا بين المماليك بين بعضهم البعض وبينهم وبين السلاطين الأيوبيين وغيرهم، إلا أنه كان من بينهم حكام صالحون كثيرون يقدرون الدين ويحترمون تعاليمه فعملوا على بناء المدارس والكليات، وتعليم علوم الطب والفلسفة والعلوم الرياضية والطبيعية، وبناء ملاجئ للأيتام، كما خلفوا ورائهم آثارًا عديدة.

طوائف المماليك

المماليك البحرية 

عاش المماليك في عصر الدولة الأيوبية  في مصر حيث قام الملك الصالح نجم الدين أيوب بشراء العديد منهم وأسكنهم جزيرة النيل (جزيرة الروضة)، ليكونوا بعيدين عن المدينة، ولذلك أطلق عليهم إسم المماليك البحرية، وقد كانوا من أوائل الذين جلبوا إلى مصر.

المماليك البرجية

هم الأجيال المتلاحقة للمماليك القدامى، وكانوا يعيشون في أبراج القلعة بأرجاء المدينة، ولذلك سموا بهذا الإسم، ونسب معظمهم إلى جنس الجراكسة.

تنامي نفوذ المماليك في مصر

  • ازدادت أعداد المماليك في مصر حين قرر السلطان الصالح نجم الدين أيوب شراء اعدادًا كبيرة منهم من الأتراك لتقوية نفوذه في الدولة وأسكنهم بجزيرة الروضة، وتولى من بعده الحكم ابنه توران شاه والذي استطاع هزيمة الفرنجة وأسر لويس التاسع، ومن ثم إطلاق سراحه في موقف انساني نبيل، مما أثار غيرة المماليك البحرية فانقلبوا عليه ودبروا مؤامرة ضده وقتلوه في فارسكور بمعاونة من شجرة الدر زوجة أبيه الصالح، واستولوا على زمام الأمور عام 1250 ميلاديًا.
  • اتفق المماليك فيما بينهم على تسليم الحكم لشجرة الدر بصفتها زوجة الملك الصالح أيوب، لكن الخليفة العباسي المستعصم بالله رفض ان تتولى امرأة إدارة شئون الدولة، فبعث إليهم قائلًا إذا كنتم لا تملكون رجالًا فلنبعث لكم برجالًا من عندنا، وليقوم المماليك بإرضاء الخليفة فقد اتفقوا على ان تتزوج شجرة الدر بقائدهم عز الدين أيبك وتتنازل له عن الملك، فأصبح عز الدين أيبك بذلك هو أول حاكم مملوكي لمصر لكنه ليس الحاكم الفعلي لها، فقد استأثرت شجرة الدر وبعض المماليك بكل مهام الحاكم، ووجد أيبك نفسه بلا مهام، فقام بمحاربة أقطاي زعيم المماليك حتى قتله وهرب كثير منهم إلى بلاد الشام، حتى أصبح أيبك بعد ذلك بدون منازع هو الحاكم الرسمي للبلاد واعترف به كل من حوله.
  • دبرت شجرة الدر مؤامرة لقتل أيبك فقد اشتعلت بقلبها غيرة النساء حين أقدم أيبك على الزواج بأميرة من الموصل، وبالفعل اتفقت مع مجموعة من المماليك ليقوموا بقتله ورميه من فوق القلعة، وقد نالت شجرة الدر نفس ما فعلت حين قامت زوجة أيبك الأولى بالأخذ بثأر زوجها وتدبير خطة قامت فيها بضربها بالقباقيب حتى الموت ورميها من فوق القلعة.
  • وبعد وفاة أيبك ومقتل شجرة الدر، تولى الحكم ابن أيبك الصغير واسمه المنصور علي وكان عمره لا يتجاوز الخامسة عشر، وقد عُرضت عليه الوصاية من قطز فقبلها بعد رفض شديد، وربما كان هذا أحسن ما حدث حيث استطاع قطز وصديقه بيبرس صد أخطار الغزو المغولي الزاحف إلى بلاد المسلمين وكتابة نهايتهم علي يد المماليك.

عم الرخاء مصر في بداية حكم المماليك، خاصة طبقة المماليك نفسها، حيث عاشوا في نظام ارستقراطي منفرد، فتقلدوا المناصب العليا والادارية بالدولة، مما شجع الناس على بيع أولادهم للسلطان ليعيشوا في مصر وعمل الكثير بهذه التجارة المربحة، فتوارد على مصر العديد من المماليك الأوربيين وغيرهم من الجنسيات المختلفة.

في بدايات المماليك كانوا منعزلين عن المصريين فكانوا محتفظين بعاداتهم كما كانوا  يتزوجون من بعضهم أو من مملوكات وسبايا الحروب أو بنات القضاة وأبناء كبار مناصب الدولة، إلا أن الأجيال المتلاحقة من المماليك مثل أبناء الظاهر بيبرس وقلاوون وأحفاده في مصر تأثروا بمصر واندمجوا بأهلها حتى تمصروا وتحدثوا اللهجة المصرية، كما تشبعوا بالعادات والتقاليد المصرية، حتى أصبحوا مصريين لغةً وثقافةً.

معركة عين جالوت بين المماليك والمغول

بعد تولي قطز حكم مصر أرسل إليه هولاكو رسالة مليئة بالتهديد والوعيد إذا لم يستسلم، لكن قطز بقتل رسل هولاكو وقتلهم وتقطيع رؤوسهم على أبواب القاهرة ردا على تهديدات هولاكو ليظهر له عدم خوف المسلمين منه. وبعث إليه رسالة يدعوه فيها لملاقاته للحرب.

تحرك قطز على راس جيشه لملاقاة التتار وكان معه بيبرس البندقداري. هولاكو من جهته حشد جيشه أيضا وجعل على رأسه القائد كتبغا نوين.

إلتقى الجيشان في عين جالوت الواقعة بفلسطين في الثالث من شتنبر 1260م وانتهت المعركة بهزيمة المغول وكانت أول هزيمة كبرى يتلقوها منذ تأسيس امبراطوريتهم على يد جنكيز خان.

كنتيجة للنصر الذي حققه المماليك تم إنقاذ الأراضي الإسلامية وخروج المغول من دمشق التي دخلها قطز وفرض سيطرته عليها وعلى سائر بلاد الشام.

معركة مرج دابق بين المماليك والعثمايين

معركة مرج دابق، معركة جمعت بين العثمانيين بقيادة سليم الاول و المماليك بقيادة السلطان قانصوه الغورى الذي مات على إثر المعركة التي وقعت على بعد 44 كم شمال حلب بسوريا، يوم 24 غشت 1516م، وسجلت تفوق العثمانيين.

نتائج معركة مرج دابق

على الجانب العسكري: أصبح استخدام الأسلحة النارية والمدفعية هو القاعدة في المعارك.

على المستوى السياسي: تم التأكيد على التفوق العثماني، وأصبحت سوريا ومصر جزءًا من الإمبراطورية.

على المستوى الديني: ألغيت الخلافة العباسية وسليم الأول يؤسس الخلافة العثمانية التي ستستمر حتى عام 1924.

معركة الريدانية

جمعت معركة الريدانية بين المماليك والدولة العثمانية في 22 من يناير عام 1517م. وأكدت نتائج معركة مرج دابق حيث انهزم فيها المماليك مرة أخرى بقيادة طومان باي الذي حاول مقاومة الزحف العثماني رافضا الاستسلام، لكن قوة العثمانيين كانت أكبر من طموحاته. 

بعد هذه المعركة دخل العثمانيون القاهرة معلنين انتهاء حكم المماليك.

نهاية المماليك على يد محمد علي (مذبحة القلعة)

ظل المماليك يسيطرون على مصر طوال الحكم العثماني، حتى تولى محمد على حكم مصر وصمم على التخلص منهم، فدعى كبار رجال الدولة والأمراء إلى وليمة بالقلعة، ولما انتهوا وكادوا ينصرفون؛ غلقت جميع الأبواب وأطلقت عليهم البنادق فماتوا جميعًا، ويقال أن عددهم بلغ 470، واستمر في محاولات لقتل ما تبقى منهم وطرد الباقي، وهرب البعض إلى النوبة، وبقي القليل منهم في القاهرة مندمجين مع أهلها، وهكذا انتهى حكم المماليك في مصر.

سلاطين المماليك الذين حكموا مصر

اولا: المماليك البحرية

بيبرس

السلطان السعيد – السلطان قلاوون

السلطان خليل بن قلاوون

السلطان الناصر محمد بن قلاوون

الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون

السلطان الناصر أبو المحاسن حسن

الملك الصالح صلاح الدين صالح

ثانيا: المماليك البرجية

الظاهر سيف الدين برقوق

السلطان الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق

السلطان أبو النصر شيخ المحمودي

برسباي الاشرف

يوسف بن برسباي

الملك الظاهر جقمق

الأشرف اينال

الظاهر خشقدم

الأشرف قايتباي

قانصوة الأشرفي

قانصوة جنبلاط

العادل طومان باي

قانصوة الغوري

الأشرف طومان باي

المصدر

تاريخ دولة المماليك في مصر.. السير وليم موير

Web Media
Web Media
تعليقات