بحث حول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومكانته العظيمة في الإسلام

عمر بن الخطاب : التاريخ الإسلامي ملئ بالشخصيات العظيمة التي أثرت فيه كثيرًا وكان لها من المواقف التي تجعل الجميع يقتدي بها ويقف أمامها وقفة متأمل لما قدموه للإسلام وللإنسانية بتمسكهم بالقيم النبيلة للاسلام ونكرانهم لذواتهم في أحلك الظروف، وواحدة من أهم هذه الشخصيات هي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب، أعدل من عرفه العالم، فكان لا يقيم أي وزن للظلم ولا يحكم سوى بالحق دون أن يخشى أو يحابي أحدا في ذلك، بل على العكس كان يخشاه الجميع ويخشى الظلم في عهده.

عمر بن الخطاب هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن العشر المبشرين بالجنة، ومن الشخصيات التي أعز الله بها الإسلام كثيرًا حيث كان له الأثر الكبير في توسيع رقعة الدولة الإسلامية وعلو شأن الإسلام والمسلمين، فكان الأعداء يهابون قوته وجسارته، كما أنه كان لا يخشى في الحق لومة لائم.

وفي حياته وإنجازاته الكثير من العبر والدروس المستفادة التي يجب أن يعرفها ويتعلمها جميع الأجيال، ولذلك اختارنا اليوم أن يكون محور بحثنا هذا عن هذه الشخصية العظيمة، وكيف غير الله تعالى حياته من الضلال للهدى وجعله نموذجا يحتذي به الجميع في كثير من جوانب شخصيته التي لم يجد التاريخ بمثلها.

نسب عمر بن الخطاب

ولد عمر بن الخطاب في مكة بعد عام الفيل بثلاثة عشر سنة، ويعود نسبه إلى بني عدي وهي إحدى العشائر التي كانت في قريش في هذه الفترة، وكانت له بعض الصفات الجسمانية التي ميزته عن شباب القبيلة وزادت من هيبته.

صفات عمر بن الخطاب الجسمانية

فكان عمر بن الخطاب يتمتع بضخامة الجسم والشعر الغزير، وأيضًا الشارب الكثيف كما أنه كان شديد البياض وكانت بشرته دائمًا ما تتسم بالحمرة، وكان يعُرف في قبيلة قريش بقوة البدن وقدرته على القتال والمحاربة.

قصة إسلام عمر بن الخطاب

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثل الغالبية العظمى من قبيلة قريش يعبدون الأوثان، ولم يصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الإسلام، وكان عمر من أشد الأعداء للمسلمين وتسلط عليهم بالأذى حتى بات يسبب الضرر للرسول والمسلمين إلى أن هداه الله للإسلام بشكل يبدو غريبا.

فمع نية عمر بن الخطاب للخروج وقتال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إذا به يصادف من يخبره بإسلام أخته وزوجها فازداد غضبًا وقرر الاتجاه إلى بيت أخته حتى إنه عند وصوله كان عندهما خباب بن الأرت يتلو عليهما القرآن الكريم.

وقام عمر بمواجهة أخته بالإسلام هي وزوجها فلم ينكر أي منهما حتى قام بضربهما، وطلب الاطلاع على القرآن وإذا بعينه تقع على سورة طه فيرقق الله بها قلبه للإسلام ويخرج للبحث عن الرسول لا ليقاتله بل ليسمع منه عن الإسلام ويدخل به.

وكان هذا في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من عدم كونه من أوائل من دخلوا في الإسلام إلا أن دخوله كان سببًا في دخول الكثير من أهل قريش بعده، وأيضًا كان من أشد من ناصر الإسلام وأعلى رأيته.

فكان كالأسد الذي خاض الكثير من الغزوات مع رسول الله والمسلمين لا يهاب من شيء ولا يخشى الأعداء بل هم من كانوا يخافون عندما يعلمون بوجوده.

خلافة عمر بن الخطاب

لم يختلف المسلمون كثيرا على خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه خصوصا وأن أمر خلافته أتى بتزكية من سلفه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما سأله المسلمون أن يشير عليهم وهو على فراش الموت بمن يتولى أمرهم بعده، فاختار لهم الفاروق عمر بعد أن تداول في الأمر مع عدد من كبار الصحابة.

اختيار عمر بن الخطاب كخليفة للمسلمين كان أمرا بديهيا لمكانته عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولما عرف عليه من غيرة ودفاع على الإسلام. كيف لا وقد خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة بأن يعز به الإسلام وقد كان كما أراد عليه السلام. فإنجازاته خلال فترة خلافته لا تعد ولا تحصى، ومناقبه أثارت إعجاب العدو قبل الصديق.

ولعل شهادات الرسول صلى الله عليه وسلم في حق عمر بن الخطاب في أكثر من حديث لم تترك مجالا للطعن في أحقيته بالخلافة بعد أبي بكر الصديق. ومن هذه الأحاديث:

عن مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ” .

عن عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه”.

ويروى عنه رضي الله عنه أنه خطب في الناس عند توليته الخلافة فقال:

  • «أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولولا أنى كرهت أن أرد أمر خليفة رسول الله ما تقلدت أمركم».
  •  «اللهم إنى غليظ فليِّنِّى، اللهم إنى ضعيف فقونى، اللهم إنى بخيل فسخِّنى».

أشهر إنجازات عمر بن الخطاب

  • عمر بن الخطاب هو أول من لقُب بأمير المؤمنين وخلال خلافته التي دامت لمدة عشر سنوات شهدت الدولة الإسلامية قوة لم تشهدها من قبل وتوسعت بشكل كبير حيث تم ضم القدس في عهده إلى الدولة الإسلامية، كما تم التوغل داخل أراضي الفرس والروم.
  • في عهده تم العمل بنظام العسس وهو ما يعني قيام بعض الشباب المسلمين بالطواف في الليل لتفقد أحوال الرعية ومعرفة المحتاج وبغرض الحماية أيضًا.
  • أول من فكر في السجن لحبس المذنبين فقبل ذلك كان يتم حبسهم داخل المسجد.
  • كان يساعد القاضي كثيرًا في عمله ويعجل بالإمساك بكل من ارتكب ذنبًا.
  • كان لا يحكم بين الناس إلا بالعدل ولا يفرق بين المتخاصمين.
  • قام بتوزيع الولاة على الأمصار التابعة للدولة الإسلامية وكان شديد الحرص على متابعتهم باستمرار والقيام بعزل كل من لا يطبق شرع الله.
  • عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من أشار على أبي بكر الصديق بجمع القرآن بعد وفاة الكثير من الحفاظ خلال حروب الردة.

مواقف ميزت عمر بن الخطاب

كثيرة هي المواقف والقصص التي روبت عن عمر بن الخطاب وأظهرت معدنه النفيس ما جعل العالم يقف منبهرا أمام هذه الحالة الفريدة في تاريخ البشرية. وفيما يلي سنسرد بعضا منها.

  • ذهب أعرابي يشكو تسلط زوجته عليه على عمر بن الخطاب، وبينما هو عند بابه في انتظار خروجه ليسمع شكواه، سمع زوجة عمر تستطيل عليه وتقول : اتق الله ياعمر فيم ولاك، فهم الرجل بالانصراف وهو يقول : إذا كان هذا حال أمير المؤمنين ، فكيف حالي ؟ وفيما هو كذلك، خرج عمر فلما رآه قال : ماحاجتك يا أخ العرب؟ فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين ، جئت إليك أشكو خلق زوجتي واستطالتها علي، فرأيت عندك ما زهّدني، إذ كان ماعندك أكثر مما عندي ، فهممت بالرجوع.فتبسم عمر وقال : يا أخ الإسلام، إني احتملتها لحقوق لها علي، إنها طبّاخة لطعامي، خبّازه لخبزي، مرضعة لأولادي، غاسلة لثيابي، وبقدر صبري عليها يكون ثوابي.
  • أذنب رجل فتناوله عمر رضي الله عنه بالدرة  ( عصاً كانت دائما معه). فقال الرجل يا عمر إن كنت أحسنت فقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فما علمتني. فقال عمر : صدقت، فاستغفر الله لي واقتص من عمر. فقال الرجل : أهبها لله وغفر الله لي ولك.
  • وقال عنه الحسَن البصري: “كان رضي الله عنه في إزاره اثنتا عشرة رقعة بعضها مِن أُدم، وهو أمير المؤمنين”.
  • وعن هشام بن الحسن قال: “كان عمر يمرُّ بالآية وهو يقرأ فتخنقه العَبْرة، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يُعاد؛ يَحْسَبونه مريضًا”.
  • حين كان بطن عمر يُحدث أصواتًا من كثرة ما أكل الخبز بالزيت، كان يقول لبطنه: “قرقري أو لا تقرقري، لن تذوقي طعم اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين”.

    هذه المواقف النبيلة وغيرها جعلت العديد من الكتاب الغربيين قبل المسلمين يكتبون عن سيدنا عمر بن الخطاب منبهرين بعدله وتواضعه رغم قوته وسلطانه، ومن بين من كتب عنه نجد الكاتب مايكل هارت الذي صنفه ضمن أعظم مائة شخصية في التاريخ، والكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيكو الذي خصه بقصيدة بعنوان le Cèdre.

وفاة عمر بن الخطاب

على الرغم من عدله الشديد وحكمه بشرع الله في كافة المسائل إلا أنه لم يسلم من الغدر، وتم قتله واغتياله غدرًا على يد أبي لؤلؤة المجوسي، غلام المغيرة بن شعبة وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر، في شهر ذي الحجة سنة 23 للهجرة عن عمر يناهز ثلاثًا وستين سنة.

Web Media
Web Media
تعليقات