قصة هاروت وماروت والفتنة في عصر سليمان الحكيم

هاروت وماروت ، إعتاد اليهود منذ القدم على إلباس الحق بالباطل، وتحريف ما أنزل الله عز وجل على أنبيائه، والتلاعب بآيات الله وكتبه، وماعاذ الله أن يغيروا ما أقره الله تعالى، فلن يستطيعوا ذلك مهما حاولوا.

بدأت قصة هاروت وماروت منذ عصر نبي الله سليمان، وماكانا إلا إبتلاءً من الله تعالى ليختبر به عباده، فيدخل من أعرض عن آياته في دائرة الكفر، ويرفع درجات من إبتغى الإيمان بالله وأعرض عما نهى عنه، وقد إرتبطت قصتهما بالسحر.

والسحر كما نعرف في ديننا الإسلامي هو كفر بين، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد”.

وذلك لإدعاء السحرة العلم بالغيب، وتقديسهم للجن والشياطين ليحصلون على مساعدتهم في معرفة الغيب، ولرغبة من يتبعهم في تغيير الأقدار المكتوبة عند الله تعالى وما في ذلك من كفر بركن كبير من أركان الإسلام وهو الرضا بالقضاء والقدر.

قصة هاروت وماروت

سأل يهود المدينة الرسول عليه الصلاة والسلام عن السحر، وزعموا أن داود وسليمان عليهما السلام ما كانا إلا ساحران يسخران الجن والشياطين لخدمتهم، فنزلت آيات من القرآن الكريم لتبرئتهما من إفتراء اليهود عليهما، ولتبين لهم الفرق بين السحر وبين المعجزات التي تحدث على يد أنبيائه الكرام، حيث يقول الله تعالى:

“وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ”.

وتعود قصة هاروت وماروت إلى فترة ملك سليمان عليه السلام، إذ أعرض اليهود عن إتباع ما أنزل من الله وقاموا باتباع السحر وكان يساعدهم في ذلك الشياطين.

فكان الشياطين يصعدون إلى السماء فيسترقوا السمع ويعرفون ما تقوله الملائكة من أخبار أهل الدنيا وأقدارهم المكتوبة؛ ثم يعودون إلى كهنة اليهود فينقلون لهم كل ما سمعوا، حتى شاع عن هؤلاء الكهنة معرفتهم للغيب وقدرتهم على التنبؤ بالمستقبل.

وقد نتج عن ذلك تقدير الناس للكهنة وللسحر، إذ عمل اليهود على تدوين ذلك بكتبهم وقاموا بتعليمها للناس، وألصقوا ذلك العلم بسيدنا سليمان، وقالوا بأن الجن عالمةً للغيب وأن سليمان قد جاء بالسحر لما يمتلكه من ملك كبير يضم الجن والطير والرياح.

وقد برأ الله تعالى سيدنا سليمان من ذلك الإدعاء الذي ألصقه به اليهود، فقال في كتابه “وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا”، وبعث الله بالملكين هارون وماروت ليعلمون الناس أن السحر فتنة فلا يقعوا فيه، وكان ذلك بيانًا من الله للناس بخطورة إتباعهم لليهود وأفكارهم.

وليكشف لهم الله عجز اليهود عن القيام بالسحر وأنه لا يمكن أن يفعلوا شيئًا إلا بإذن الله وأن ما يتداولوه إنما هو إستراقة سمع من السماء، وأن الفرق كبير بين العلم الذي وهبه الله للأنبياء وبين ما يدعيه اليهود.

وكان هاروت وماروت لا يقومون بالسحر حتى يعلمون الناس أن هذا سحرًا وفتنة وأنهم إبتلاء من الله، وأن هذا السحر سيؤدي بهم إلى الكفر، وأنهم لن يحصدوا من السحر إلا ما يضرهم وما يوقع الفتنة بينهم ولا ينفعهم وما يفرق بين الأزواج، وكان كل ذلك بإذن من الله.

وقد كانت تشاع بعض الأقوال حول أن هارون وماروت كانا من الإنس وكانا يقومان بتعليم الناس السحر كفرًا بالله وخروجًا عن تعاليمه، إلا أن هذا إفتراءًا واضحًا.

فقد جاء القرآن الكريم موضحًا بأنهما ملكين، وأنهما نزلا بأمر من الله وكانا يقولان للناس أنهما فتنة وينصحونهم بعدم إتباع الفتنة والوقوع في الكفر، فأما من يستمر في السحر فكان يكفر، وأما من أعرض وابتغى رضا الله فكان في منئى عن الكفر وبقي على الإيمان بالله عز وجل.

Web Media
Web Media
تعليقات